مدار الساعة - كتبت: سبأ خالد - أَتَمَّ الاثنين في العبدلي التشكيلة النهائية للجان الدائمة لمجلس النواب العشرين بتوافق كامل من جميع الأعضاء، وذلك في إطار الرد على خطاب العرش السامي وتوزيع عضوية اللجان النيابية.
وتتماهى هذه الخطوة الفارقة مع مسار وملامح العمل البرلماني الجديد المنبثق عن مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والتي آلت لتحولات سياسية عميقة يشهدها البرلمان الأردني اليوم ويتعامل مع تفاصيلها للولوج إلى حالة سياسية متناهية يستوطن في ثناياها محورية الإصلاح والتغيير.
وما لفت الانتباه خلال التشكيل الأخير، بأن أعضاء حزب جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، شاركوا في عضوية جميع اللجان النيابية، الأمر الذي يعتبر سابقة في العمل البرلماني الأردني، ولكن هذه الخطوة أثارت تساؤلات حول توزيع اللجان وأسباب توزيعها بجلسة مغلقة بعيدًا عن الرأي العام الأردني.
والتوقعات التي كانت تشير إلى صلب الواقع والمنطق المتعارف عليه بأن النائب ناصر النواصرة، أحد أبرز القيادات السابقة في نقابة المعلمين، سيكون متواجداً بعضوية لجنة التعليم، إلا أن اختياره لعضوية اللجنة القانونية فاق كل التوقعات؛ لكونه يحظى بدعم كبير من المعلمين وكان أحد العوامل الرئيسية في نجاح حملة جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات.
وفي سنوات سابقة قد شهدت نقابة المعلمين في الأردن أزمة حادة بعد إصدار محكمة صلح جزاء عمّان قرارًا بحل النقابة، ما أدى إلى حبس أعضاء المجلس التنفيذي للنقابة من بينهم النواصرة، مما عمّق الأزمة بين النقابة والسلطات الرسمية.
من جهة أخرى، لم يشهد مجلس النواب ترؤس حزب جبهة العمل الإسلامي لأي من اللجان، رغم التوقعات الواسعة في الشارع الأردني بوجود مفاوضات بين المعارضة والأحزاب الوسطية لتحقيق ذلك؛ بعد الائتلاف الذي حصل بين الأحزاب الوسطية لفوز النائب أحمد الصفدي رئيسًا لمجلس النواب عن حزب الميثاق، ضد النائب صالح العرموطي من جبهة العمل الإسلامي (المعارضة)، لذا التوقع الأكبر ان تنتهي المفاوضات بتولي العرموطي رئاسة اللجنة القانونية، ولكن ماذا حال دون ذلك؟ أم أن عضوية اللجان النيابية ككل كانت الخيار الأفضل لجبهة العمل الإسلامي.
وأما بالنسبة لقائد البيت التشريع الرقابي، فبات واضحاً جلياً بأن رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، يسعى إلى تحقيق التوازن بين القوى السياسية في المجلس، بما في ذلك حزب جبهة العمل الإسلامي، فإن هذه المحاولات تعكس رغبته بإرساء علاقات تعاون مع مختلف الأطراف، بما فيها القوى الإسلامية، لضمان استقرار العمل البرلماني وتفعيل دوره في المرحلة المقبلة.
وجميع تلك الأفعال والمواقف لم تأتِ وليدة اللحظة باعتقادي، على ما يبدو بأن الصفدي يسعى جاهداً بمحاولات صادقة بإبعاد نفسه عن التجاذبات والمهاترات السياسية التقليدية التي قد تؤثر على حياديته والتمتع بإخلاقيات الرئيس الذي يتطلب منه بموجب النظام الداخلي الوقوف أمام جميع النواب على مسافة واحدة، بمنأى عن أيديولوجياتهم السياسية وأقطابهم الفكرية.
ورغم هذه التوافقات، يبقى تساؤل كبير حول قدرة الصفدي على الحفاظ على حياده وموضوعيته، خصوصًا في ظل العلاقات المتوترة بين السلطة التنفيذية وحزب جبهة العمل الإسلامي، الأمر الذي يفتح المجال لمزيد من النقاش حول دور المجلس في تعزيز الديمقراطية التوافقية وكيفية تجنب الصراعات الحزبية التي قد تؤثر سلبًا على آلية العمل البرلماني في المستقبل.
وبناءً على ما سبق، يتبادر إلى ذهني ما جرى في عام 2004 عندما تم حسم خلافات تشكيل اللجان بين ائتلاف (الوطني الديمقراطي) و(التغيير والإصلاح).
ففي ذلك العام، تم تقسيم رئاسات اللجان بواقع ثماني لجان للائتلاف الأول وست لجان للثاني، وهذه دلالة على مصلحة الدولة في ضمان التوازن بين القوى السياسية رغم التوترات، وهذا التطور يذكرني بتحديات مماثلة في تاريخ البرلمان الأردني، حيث كان التمثيل النسبي والتحالفات السياسية نقطة محورية في تحديد موازين القوى داخل المجلس.
وفي ضوء التعددية السياسية التي يحظى فيها هذا المجلس الذي خرج من رحم حياة سياسية جديدة، أتساءل عن الإصرار لإغلاق الجلسات أمام وسائل الإعلام لعدم نقل وقائعها للشارع الأردني، كون المجلس قرر عقد جلسة مغلقة لتشكيل لجانه الدائمة، الأمر الذي يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية تتعلق بالشفافية وآلية اتخاذ القرار داخل المؤسسة التشريعية.
وبصورة أخرى، يُعد التوافق بين الأعضاء على توزيع اللجان خطوة إيجابية في المبدأ، ولكن غياب النقاش العلني حول هذه الترتيبات يثير علامات استفهام، خاصة في ضوء مشاركة حزب جبهة العمل الإسلامي في جميع اللجان النيابية الجلسة المغلقة توحي برغبة في تجنب مواجهة علنية للخلافات أو تسليط الضوء على تفاصيل المفاوضات بين الأحزاب.
ولكن لماذا تُخفى هذه التفاصيل عن الرأي العام؟ هل هو تخوف من إثارة جدل شعبي حول توزيع الأدوار.. أم محاولة لتمرير توافقات قد لا تلقى قبولًا واسعًا؟